تعرّف على جزيرة سواكن السودانية التي ستسلم لتركيا والتي تعد محطة استراتيجية لصراعات إقليمية جديدة

 
محمد الحسن شقيرة (67) عاماً، ينتمي لمجموعة (الأرتيقا)؛ وهي واحدة من المجموعات القاطنة حالياً في شرق السودان، وتحديداً سواحل البحر الأحمر. كانت المجموعة قد هجرت، مع بداية القرن العشرين، ميناء سواكن التاريخي قاصدة ميناء (بورتسودان)، الذي اكتمل إنشاؤه في العام 1922، بواسطة الاحتلال البريطاني (1898-1956)، الذي دمر ميناء سواكن، وتحول إلى خراب وأطلال، حسب ما يقول شقيرة لـ"العربي الجديد".
 
شقيرة، وأسرته وغيرهم من أفراد مجموعة (الأرتيقا)، كثيراً ما يراودهم الحنين للعودة للتاريخ والجذور، حيث أرض الأجداد والأملاك. وارتفع سقف الآمال عندهم، بعد زيارة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، للمنطقة الإثنين الماضي، وتعهده بإعادة مدينة سواكن إلى سيرتها الأولى وترميم منشآتها الأثرية والسياحية وزيادة الاستثمار فيها.
 
وسلطت زيارة، أردوغان، الضوء من جديد على واحد من أهم الموانئ العربية والأفريقية، وأعادت التفكير بأهميته الجيو سياسية، وجعلت منه موضع نقاش كثيف ليس على مستوى السودان فحسب، بل على المستوى الإقليمي، خصوصاً في مصر والسعودية، سيما بعد حديث عن تعاون وتنسيق عسكري بين البلدين يستهدف سواكن، على وجه التحديد، ومنطقة البحر الأحمر عامة، وهي أحاديث لم تكتمل فيها الرؤية كاملة.
 
وقال أردوغان قبيل مغادرته السودان مساء الاثنين "طلبنا تخصيص جزيرة سواكن لوقت معين لنعيد إنشاءها وإعادتها إلى أصلها القديم والرئيس (عمر) البشير قال نعم". وأضاف أن "هناك ملحقا لن أتحدث عنه الآن". 
 
وأضاف أردوغان "الأتراك الذين يريدون الذهاب للعمرة (في السعودية) سيأتون إلى سواكن، ومنها يذهبون إلى العمرة في سياحة مبرمجة".
 
فما هي هذه الجزيرة؟
 
تبلغ مساحة الجزيرة 20 كيلومترا، وفيها أكثر من 370 قطعة أرض سكنية وحكومية، ستقوم الحكومة التركية بإعادة ترميمها، وتحويلها لمنطقة سياحية. 
 
تبعد سواكن مسافة 642 كيلومتراً من العاصمة السودانية الخرطوم، وترتفع 66 مترا فوق سطح البحر الأحمر. وفي أزمان بعيدة، كانت هي الميناء الرئيس الذي دخلت عبره كثير من الهجرات العربية وغير العربية للسودان، ومنها كان يعبر كل حجاج السودان ودول غرب أفريقيا للوصول للأراضي المقدسة في الحجاز.
 
ويقول عبد الله موسى، وهو من القيادات الاجتماعية والسياسية في المنطقة لـ"العربي الجديد"، إن عُمر ميناء سواكن تجاوز الألف عام، مشيرا إلى أنه من هذه المنطقة كان تدار إريتريا واليمن والصومال أيام العهد التركي الثاني، الذي حكم البلاد في الفترة من 1821-1885.
 
وأضاف موسى أن الإنكليز أثناء حكمهم للسودان في الفترة من 1898-1956، ولأسباب تخصهم، دمروا ميناء سواكن لصالح ميناء بورتسودان، حديث النشأة.
 
وداخل مدينة سواكن، توجد جزيرة بطول 4 كيلومترات وعرض 700 متر، أسسها الأتراك وبنوها على نسق المدن التركية، كان ذلك في عهد سليم الأول في نحو 1512، وسكن الجزيرة جنسيات مختلفة، إضافة لمجموعات سودانية تنتمي لمجموعة البجا، التي تعد من أقدم المجموعات العرقية في أفريقيا.
 
وكان يوجد في جزيرة سواكن القديمة، أيام العهد التركي الثاني 1821-1885؛ 4 مساجد ومقر للحاكم وآخر للتلغراف ومبنى للجمارك، فيما أحيطت بسور ضخم، به مدخلان فقط.
 
ومن أشهر مبانيها كذلك "قصر الشناوي" ويتكون من 360 غرفة؛ وكان الشناوي، وهو أحد أثرياء تلك الفترة، يقضي كل ليلة من ليالي السنة في واحدة من تلك الغرف، على حسب الروايات المتداولة، لكن القصر تدمر حاليا تماما بفعل الطبيعة وتجاهل السلطات الاستعمارية والوطنية له، ولكافة الآثار في المنطقة.

 
وداخل جزيرة سواكن، بني سجن ضخم وهو وحده الذي يستخدم حتى الآن لسجن المجرمين.
 
وبعد قيام الثورة المهدية التي طردت العثمانيين من السودان في العام 1885، لم تتمكن تلك الثورة الدينية الوطنية من تحرير سواكن، بسبب قوة حصونها وإطلالتها على البحر الأحمر وعدم ترحيب أهالي المنطقة بصورة غالبة بالثورة المهدية وأفكارها التي قامت عليها، فبقي الوضع في المنطقة على ما هو عليه؛ إلى أن جاء الحكم الإنكليزي في العام 1898، حيث بدأ الميناء يفقد قيمته بعد أن أنشأ الاحتلال، ميناء بورتسودان ما بين 1898 إلى 1905.
 
فتراجع دور سواكن كميناء تجاري وهجرها معظم قاطنيها. وظلت مبانيها ذات الطابع المعماري الإسلامي والعربي القديم عبارة عن أطلال وآثار قديمة، ورغم ذلك لم تنشط الحكومات المتعاقبة في تسجيلها لدى اليونسكو، أو الاهتمام بها كمنطقة تراث وسياحة.
 
وفي نهاية الثمانينات، وبداية التسعينات من القرن الماضي، تم إعادة افتتاح ميناء سواكن من جديد، وأطلق عليه اسم ميناء عثمان دقنة، وهو واحد من قادة الثورة المهدية، ليكون خاصاً بحركة الحجاج، فيما بلغت الطاقة التصميمية له نحو (3) ملايين طن/السنة.
 
وتعد سواكن أقرب الموانئ في البحر الأحمر، لميناء جدة السعودي، والأقرب كذلك لباب المندب ولقناة السويس، ما يجعله موقعاً استراتيجيا سواء على مستوى التجارة الدولية أو على مستوى أمن المنطقة العربية والأفريقية.
 
ويوضح، الدكتور فتح الرحمن أحمد، أستاذ العلوم السياسية بجامعة النيلين، أن القيمة التاريخية في ميناء سواكن كبيرة جداً، وتلقي بظلالها على أهميته الحالية، فقد كان الميناء الوحيد الرابط بين أفريقيا وآسيا، وأن البريطانيين وفي مرحلة تاريخية، حاولوا عبره تأمين تجارتهم الدولية مع الهند وغيرها.
 
ويضيف أحمد لـ"العربي الجديد"، أن ميناء سواكن، هو واحد من الروابط الأساسية لتجارة النفط الدولية، فضلا عن توسطه المسافة بين قناة السويس (شمالا) وباب المندب (جنوباً).
 
وأشار إلى أن أهمية الميناء تعززت حالياً باعتباره جزءا من أمن البحر الأحمر، حيث تنشط القواعد العسكرية الفرنسية والأميركية والإسرائيلية والإيرانية والإماراتية، موضحاً أن كثيراً من الضربات العسكرية التي تعرض لها السودان تاريخياً، جاءت من بوابة البحر، وأبرزها، تدمير مصنع الشفاء بواسطة الولايات المتحدة (1998)، تدمير مصنع اليرموك 2012، بواسطة إسرائيل، وضربات إسرائيلية أخرى، استهدفت من تعتقد أنهم مهربو سلاح لغزة بفلسطين.
 
ونفى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أن تكون بلاده قد أبرمت اتفاقا مع السودان لإقامة قاعدة عسكرية في سواكن. لكن وزير الخارجية السوداني إبراهيم غندور، قال عقب زيارة أردوغان، إن السودان منفتح تماماً للتعاون العسكري بين البلدين، وإن أي ترتيبات عسكرية مع تركيا واردة بعد التوقيع على اتفاقية تفتح المجال أمام التعاون العسكري.
 
ويرحب محمد حسن شقيرة، ابن المنطقة بأي تعاون يتم بين تركيا والسودان، لإعادة بناء منطقته، سواكن، سواء في المجال الاستثماري أو التجاري وحتى العسكري.
 
ويرى فتح الرحمن أحمد أن وجود أية اتفاقية أمنية ذات بعد دفاعي على مبدأ المصالح المشتركة، بمثابة عنصر إيجابي للسودان، لكنه شدد على ضرورة تبديد مخاوف دول الجوار، خاصة في ظل الاستقطاب الحاد في المنطقة، مع الاحتفاظ بحق السودان الكامل في التعاون مع من يشاء من الدول، دون وصاية من أحد.
 
ويستبعد عبد القادر باكاش، وهو صحافي محلي في المنطقة، إقدام تركيا على التواجد عسكرياً في سواكن أو غيرها، وقال إن التفاهمات بين البلدين في بداياتها، واستنكر باكاش خلال حديث مع "العربي الجديد"، ما اعتبره تضخيما وضجة مصرية تلت زيارة أردوغان للسودان، وقال إن الضجة تلك أشبه بالتي تلت زيارة الشيخة موزا للسودان، وهذا يؤكد أن مصر لا تريد السودان مستقلا في قراره وسيادته.
 
لكن القيادي السياسي في المنطقة عبد الله موسى، يبدي حذرا شديدا من وجود تركيا في سواكن، وقال لـ"العربي الجديد"، إن على السودان أن يبتعد عن حالة الاستقطاب الإقليمي.
 
للإشتراك في قناة ( اليوم برس ) على التلغرام على الرابط https://telegram.me/alyompress


كلمات مفتاحية:


اقرأ ايضا :
< نائب الرئيس يبارك استعادة "اليتمة" ويؤكد العزم على انهاء الانقلاب
< آخر مستجدات المعارك من الجوف .. الجيش يتقدم ويسيطر على أهم المناطق في منطقة اليتمة
< الحكومة تجدد دعوة المنظمات الدولية التعامل مع "الشرعية" وتؤكد المضي بـ"إعادة الاعمار"
< الفريق علي محسن الأحمر يلتقي القيادات العسكرية التابعة لتعز ( صوره)
< اجتماع رفيع يناقش أدوات مواجهة الحوثيين في 5 محافظات
< احذر..الأعواد القطنية لا تزال سببا رئيسيا لثقب طبلة الأذن (دراسة)
< الجندي ينجو من محاولة اغتيال ومقتل وإصابة ثلاثة من مرافقيه

اضف تعليقك على الفيس بوك
تعليقك على الخبر

ننبه الى ان التعليقات هنا تعبر عن كاتبها فقط ولا يتبناها الموقع، كما ننبه الى ان التعليقات الجارحة او المسيئة سيتم حذفها من الموقع
اسمك :
ايميلك :
الحد المسموح به للتعليق من الحروف هو 500 حرف    حرف متبقى
التعليق :
كود التحقق ادخل الحروف التي في الصورة ما تراها في الصورة: